الشاعر عبد الله البردوني
عبدالله الفيصلشعر وطننشأة البردونيوُلد الشّاعر اليمني والنّاقد والمؤلّف عبد الله بن صالح البردوني في قرية البردون عام 1929م في محافظة ذمار في اليمن، وقد عاش تحت رعاية أسرة فلّاحيّة بسيطة لم يكن لها أية علاقة بالعلم، فوُلد في أحضان والده الفلّاح ووالدته، وتوفي سنة 1999م بعد مسيرة أدبية طويلة، إذ إنه اُعتبر أحد أهم وأشهر شعراء العربية في القرن العشرين.حياة البردونيعاش البردوني حياةً مختلطةً بالآلام والآمال، حيث عاش تجارب كثيرة أثّرت في شخصيّته تأثيرًا مباشرًا، بدءًا بطفولته وحتّى آخر أيّام حياته، ففي طفولته فقدَ بصره بسبب الجدري، فأثّر ذلك فيه تأثيرًا كبيرًا، ولا سيّما أنّ قريته تعتدّ بالرجل الكامل، وجعله ذلك متمرّدًا على الواقع.ولكن إدراكه لهذا المحيط دفع به نحو العلم ليتغلّب على ما حوله، فيتعلّم أوّلًا، ويصل إلى النبوغ ثانيًا ليثبت مكانته في المجتمع، واستمرّ على هذه الحال حتّى جعل من العمى صديقًا له، وأصدرت الأمم المتحدة عام 1982م عملة فضّية عليها صورته على أنّه معاق تجاوز العجز.
بعد ذلك، سُجن إثر تحريضه على الثورة ضد الاحتلال البريطاني تسعة أشهر عام 1948م، وبعد خروجه عام 1949م شقّ طريقه إلى صنعاء، وعانى هناك كثيرًا في الحياة إلى أن تبنّته مدرسة "دار العلوم"، ثمّ عيّن أستاذًا للآداب العربيّة في المدرسة ذاتها.تلقّى بعض العلوم الشّرعيّة على أيدي علماء الجامعالكبير، وعُيّن مشرفًا في الإذاعة على البرامج الثّقافية نظرًا لمقدرته اللغوية،تعرّض للسجن لاحقًا إثر انتقاده للسلطة الحاكمة عام 1960م في خطبة ألقاها في عيد الفطر، كان مناضلًا في كلمته.كان هناك نصيبٌ كبير لليمن والأمة العربيّة عامّةً في أشعاره، حيث مثّل الهم العربي واليمني المادة الأساسية لمعظم مؤلّفاته وأشعاره،توفي البردوني في صباح يوم الاثنين في الثلاثين من أغسطس عام 1999م تاركًا وراءه إرثًا ثقافيًّا كبيرًا يحاكي الحاضر والماضي وفلسفة لا تمحوها الأيام.
البردوني شاعرًايعدّ البردوني رمزًا من رموز الأدب العربي الحديث، حيث كان بارعًا مجدّدًا في أشعاره، ويتمثّل التّجديد لدى البردوني في مقدرته العظيمة على تطويع العناصر الأدبيّة والفنيّة المتنوّعة في أشعاره؛ إذ إنّ أشعاره غنيةٌ بالاستطرادات الجميلة التي استمدّها من مصادر مختلفة.من أشعاره ما هو مأخوذٌ من الحكي، ومنها ما هو مأخوذٌ من الميثولوجيا الشّعبية، ومنها ما هو مأخوذٌ من الأمثلة الشّعبيّة؛ إذ كان يولّد المعاني من المعاني، وكان يرصف درب الاستماع والقراءة على قاعدة الهارمونيكا اللغوية الطريفة، واستطاع أيضًا أن ينزاح بمفرداته الشعرية نحو الحداثة،ومنها ما قاله في قصيدة "وحدي هنا":وحدي هنا يا ليل وحدي:::ما بين آلامي وسهديوحدي وأموات المنى:::والذكريات السود عنديكأنّ أشباح الدجى:::حولي أماني مستبدّتقيّد البردوني بنظام الشّطرين، إلّا أنّ لغته الشّعرية ذخرت بألفاظٍ غزيرة استمدّها من ذاكرة البصير التي حصّلها نتيجة المعارف الواسعة، والتي قلّ أن يُرى نظيرها لدى البصير بالعين فعلًا، وكتبَ مجموعة من القصائد المحاكية للتاريخ والسير والحكايات الشعبية، ومزج بين الشّعر والنثر فيها،من ذلك ما قاله في قصيدته "يداها"::مثلما يبتدئ البيت المقفّى:رحلة غيميّة تبدو وتخفى:مثلما يلمس منقار السنا:سحرًا أرعش عينيه وأغفى:هكذا أحسّو يديك إصبعًا:إصبعًا أطمع لو جاوزن ألفاوقدشكّلت قصائده السّردية قيمةً كبيرةً في الشّعر العربي، حيث كانت هذه القصائد تستقرئ الحاضر من خلال الإسقاط التاريخي، وقد كان البعد الحكائي في شعره يقترب من المسرح الشّعري، مع ملمح درامي واسع يعطي النص الشّعري فضاء سردي واضح الملامح.كتب البردوني الفكريةترك عبد الله البردوني وراءه كتبًا فكريّة ضمّنها عصارة فِكره ولم تقتصر على الشعر، ومنها ما يأتي:اليمن الجمهوريكتاب اليمن الجمهوري هو كتاب سياسي، ألّفه عبد الله البردوني، وصدر سنة 1983م يتحدّث فيه الكاتب عن تاريخ اليمن السّياسي.
رحلة في الشّعر اليمني قديمه وحديثهكتاب رحلة في الشّعر اليمني هو كتاب أدبي، ألّفه الكاتب عبد الله البردوني، صدر عام 1978م، يتناول فيه الشّعر اليمني الذي خرج عن اليمنيين، منذ العصر الجاهلي حتّى العصر الحديث، ويتناول الموضوعات المختلفة وتطوّر هذا الفن عبر الزمن وخصائصه الفنيّة.الثقافة الشعبية تجارب وأقاويل يمنيةكتاب الثّقافة الشّعبية صدر عام 1996م ألّفه الكاتب عبد الله البردوني، يقوم هذا الكتاب على دراسة الشّعب اليمني وثقافته الذي نتجت عنه تلك الأقاويل، ويبحث في كيفية وصول الشّعب اليمني إلى هذا المستوى من الحكمة.دواوين البردوني الشعريةكان البردوني شاعرًا متميّزًا؛ إذ أغنى المكتبة العربيّة بكثيرٍ من الدّواوين الشّعرية، ويعود ذلك كلّه إلى موهبته الشّعريّة وحسن قوله؛ لذا صدر عنه عددٌ كبيرٌ من الدّواوين، ومن هذه الدّواوين:من أرض بلقيسيقع في نحو 60 قصيدة، وهو من أوائل دواوين البردوني إن لم يكن ديوانه الأول، قصائده في هذا الديوان ما تزال تأخذ الطابع الأوّلي للبردوني، وليس لهذا الديوان طابع واحد؛ فموضوعات قصائده مختلفة.
في طريق الفجروهو الديوان الثاني في ترتيب دواوين عبد الله البردوني، يقع في نحو 50 قصيدة من قصائد عبد الله البردوني، التي بدأت تأخذ طابعًا مختلفًا عمّا جاء في ديوانه الأوّل، ولا رابط بين قصائده من حيث وحدة الموضوع.وجوه دخانية في مرايا الليلهذا الديوان من الدواوين المتأخّرة التي كتبها البردوني، وفيها نزعة نحو الذاتية والحديث عن الذات بعد أن كان يتحدّث بلسان الشعب وعنهم، يقع في نحو 25 قصيدة، وهذا النزوع نحو الاختصار من دلائل نضوج شعر البردوني.قصائد البردونيترك البردوني وراءه إرثًا كبيرًا من الشعر بنوعيه الشطرين والتفعيلة، ومن قصائده ما يأتي:قصيدة من أرض بلقيس:من أرض بلقيس هذا اللحن والوترمن جوها هذه الأنسام والسحرُمن صدرها هذه الآهات، من فمهاهذي اللحون ومن تاريخها الذكرُمن "السعيدة" هذي الأغنيات ومنظلالها هذه الأطياف والصورُأطيافها حول مسرى خاطري زمرمن الترانيم تشدو حولها زمرُمن خاطر "اليمن" الخضرا ومهجتهاهذي الأغاريد والأصداء والفكرُهذا القصيد أغانيها ودمعتهاوسحرها وصباها الأغيد النضرُيكاد من طول ما غنى خمائلهايفوح من كل حرف جوها العطرُيكاد من كثر ما ضمته أغصنهايرف من وجنتيها الورد والزهرُقصيدة تائه:تائه كالجنون خلف ما لا يكونتائه كالرج في زوايا السجونكخيال اللّقّ حول وهم الجفونكرياح الضّحى في صخور الحزونكأنين الشتاء فوق صمت الغصونكطيوف المساء في متاه العيونوحده يرتمي خلف طيف الفنونبين خفق الرؤى وضجيج السّكونآه يا قلبه حرقتك الشجونجفّ خمر الهوى في كؤوس اللحونظامي يرتوي بسراب الظنونماله هان أو ماله ليهونكفنت صوته وصداه السنونواختفى ظلّه في غبار القرونكوعود المنى في الزمان الخؤونقصيدة ليلة الذّكريات:دعيني أنَمْ لحظةً يا همومفقد أوشك الفجر أن يطلعاوكاد الصّبح يشقّ الدّجىولم يأذن القلب أن يهجعادعيني دعيني أنَم غفوةًعسى أجد الحلم الممتعادعيني أطل على الصّباحوما زلتُ في أرقي موجعاوما زال يتعبني مضجعيويضني تقلّبي المضجعالك الله يا ليلة الذّكرياتولي ما أمرّ وما أفزعا