شعر الغزل بين العصر الأموي والعباسي
اقرأ أيضاًخصائص الخطابة: فن الخطابة والإلقاءالخطابة في العصر الجاهليشعر الغزل بين العصر الأموي والعباسيلم تكن الحال واحدة بالنسبة لشعر الغزل في العصرين الأموي والعباسي، بل كانت هنالك ملامح تميّز الغزل في كل عصر من هذه العصور، وفيما يأتي حديث عن ذلك:الغزل في العصر الأمويانقسم الغزل فيالعصر الأمويإلى ثلاثة أنواع متباينة واضحة، يمتاز كلّ نوع منها بما يجعله علامة فارقة في كتاب الشعر العربي؛ وتفصيل القول فيها كما يلي:الغزل العذرينشأ هذا الغزل نتيجة التربية الإيمانية لجيل أدرك الصحابة وجزءًا من صدر الإسلام، فنشأ في بيئة مسلمة مكتملة الملامح ليس فيها شرك أو أخلاق غير إسلامية، فاندمجتالأخلاق الحميدةعند هذا الجيل مع تعاليم الإسلام والموهبة الشعرية الكبيرة والعواطف والمشاعر الإنسانية المحكومة بتعاليم الدين الجديد، فظهر هذا الغزل العفيف على يد مجموعة من الشعراء في الحجاز تحديدًا.الغزل العمريسمّي هذا الغزل بهذا الاسم نسبة إلى مؤسسه الشاعر عمر بن أبي ربيعة، كان هذا الغزل يمتاز بالصراحة في مضامينه، إضافة إلى تناوله المرأة بشكل مادي بعيدًا عن المعنى والروح التي امتاز بها الشعر العذري أو العفيف، فكان الغزل العمري يتناول الحديث عن جسد المرأة ويصف مفاتنها، ويصرّح بألفاظ كان العربي يتحرّج منها، لذلك سمّي أيضًابالغزل الصريح.الغزل التقليديكان هذا الغزل امتدادًا للغزل في العصر الجاهلي، وهو أشبه ما يكون بالنسيب الذي تُفتَتَح به القصائد ويتغزّل به الشاعر بفتاة غير حقيقية حتى يصل إلى غرضه الرئيس من القصيدة.
الغزل في العصر العباسيحملالعصر العباسيمعه الترف والبذخ للرعية نظرًا لاتساع الدولة وكثرة الواردات التي كانت تنهال عليها من كل جهة، فهذا الترف حمل الشعب إلى حياة الدعة والراحة والترف التي انعكست على شعرهم، فظهر في هذا العصر لونان واضحان للغزل هما:الغزل العفيفوهو امتدادللغزل العذري، وفيه يتغزل الشاعر بجمال المرأة بألفاظ رقيقة عذبة بعيدًا عن الفحش والبذاءة، وكان يُقال هذا الشعر غالبًا للجواري اللواتي كان عددهم في الدولة العباسية كبيرًا جدًّا.الغزل الماجنهذا الغزل يُسمّى أيضًا الغزل المذكّر أو الغلماني، وهو غزل مستحدث في العصر العباسي ويخالف معتقدات الإنسان وإنسانيته، وفيه يصرف الشاعر الغزل نحو الغلمان، فيصفون أجسامهم بطريقة غير مقبولة، ومن أشهر رواد هذا الغزلالشاعر أبو نواس.نماذج من الغزل في العصر الأموي والعباسيفيما يأتي نماذج على الغزل في العصرين الأموي والعباسي:قصيدة بان الخليط لجريريقولجرير:بانَ الخَليطُ وَلَو طُوِّعتُ ما باناوَقَطَّعوا مِن حِبالِ الوَصلِ أَقراناحَيِّ المَنازِلَ إِذ لا نَبتَغي بَدَلاًبِالدارِ داراً وَلا الجيرانِ جيراناقَد كُنتُ في أَثَرِ الأَظعانِ ذا طَرَبٍمُرَوَّعاً مِن حِذارِ البَينِ مِحزانايا رَبُّ مُكتَئبٍ لَو قَد نُعيتُ لَهُباكٍ وَآخَرَ مَسرورٍ بِمَنعانالَو تَعلَمينَ الَّذي نَلقى أَوَيتِ لَناأَو تَسمَعينَ إِلى ذي العَرشِ شَكوانا.
قصيدة وكم قائل لي اسل عنها بغيرها للمجنونيقول مجنون ليلىقيس بن الملوح:وَكَم قائِلٍ لي اِسلُ عَنها بِغَيرِهاوَذَلِكَ مِن قَولِ الوُشاةِ عَجيبُفَقُلتُ وَعَيني تَستَهِلُّ دُموعَهاوَقَلبي بِأَكنافِ الحَبيبِ يَذوبُلَئِن كانَ لي قَلبٌ يَذوبُ بِذِكرِهاوَقَلبٌ بِأُخرى إِنَّها لَقُلوبُفَيا لَيلَ جودي بِالوِصالِ فَإِنَّنيبِحُبِّكِ رَهنٌ وَالفُؤادُ كَئيبُلَعَلِّكِ أَن تُروى بِشُربٍ عَلى القَذىوَتَرضى بِأَخلاقٍ لَهُنَّ خُطوبُوَتَبلي وِصالَ الواصِلينَ فَتَعلَميخَلائِقَ مَن يُصفي الهَوى وَيَشوبُلَقَد شَفَّ هَذا القَلبَ أَن لَيسَ بارِحاًلَهُ شَجَنٌ ما يُستَطاعُ قَريبُفَلا النَفسُ تَخليها الأَعادي فَتَشتَقىوَلا النَفسُ عَمّا لا تَنالُ تَطيبُلَكِ اللَهُ إِنّي واصِلٌ ما وَصَلتِنيوَمُثنٍ بِما أُوليتِني وَمُثيبُوَآخِذُ ما أَعطَيتِ عَفواً وَإِنَّنيلَأَزوَرُّ عَمّا تَكرَهينَ هَيوبُفَلا تَترُكي نَفسي شَعاعاً فَإِنَّهامِنَ الوَجدِ قَد كادَت عَلَيكَ تَذوبُوَأَلقى مِنَ الحُبِّ المُبَرِّحِ سَورَةًلَها بَينَ جِلدي وَالعِظامِ دَبيبُوَإِنّي لَأَستَحيِيكِ حَتّى كَأَنَّماعَلَيَّ بِظَهرِ الغَيبِ مِنكِ رَقيبُ.قصيدة أمن آل نعم أنت غاد فمبكر لعمر بن أبي ربيعةيقول عمر بن أبي ربيعة:وَلَيلَةَ ذي دَورانَ جَشَّمتِني السُرىوَقَد يَجشَمُ الهَولَ المُحِبُّ المُغَرِّرُفَبِتُّ رَقيباً لِلرِفاقِ عَلى شَفاأُحاذِرُ مِنهُم مَن يَطوفُ وَأَنظُرُإِلَيهِم مَتى يَستَمكِنُ النَومُ مِنهُمُوَلى مَجلِسٌ لَولا اللُبانَةُ أَوعَرُوَباتَت قَلوصي بِالعَراءِ وَرَحلُهالِطارِقِ لَيلٍ أَو لِمَن جاءَ مُعوِرُوَبِتُّ أُناجي النَفسَ أَينَ خِباؤُهاوَكَيفَ لِما آتي مِنَ الأَمرِ مَصدَرُفَدَلَّ عَلَيها القَلبُ رَيّا عَرَفتُهالَها وَهَوى النَفسِ الَّذي كادَ يَظهَرُفَلَمّا فَقَدتُ الصَوتَ مِنهُم وَأُطفِئَتمَصابيحُ شُبَّت في العِشاءِ وَأَنوُرُوَغابَ قُمَيرٌ كُنتُ أَرجو غُيوبَهُوَرَوَّحَ رُعيانُ وَنَوَّمَ سُمَّرُوَخُفِّضَ عَنّي النَومُ أَقبَلتُ مِشيَةَ الحُبابِ وَرُكني خَشيَةَ الحَيِّ أَزوَرُفَحَيَّيتُ إِذ فاجَأتُها فَتَوَلَّهَتوَكادَت بِمَخفوضِ التَحِيَّةِ تَجهَرُوَقالَت وَعَضَّت بِالبَنانِ فَضَحتَنيوَأَنتَ اِمرُؤٌ مَيسورُ أَمرِكَ أَعسَرُأَرَيتَكَ إِذ هُنّا عَلَيكَ أَلَم تَخَفوُقيتَ وَحَولي مِن عَدُوِّكَ حُضَّرُفَوَ اللَهِ ما أَدري أَتَعجيلُ حاجَةٍسَرَت بِكَ أَم قَد نامَ مَن كُنتَ تَحذَرُفَقُلتُ لَها بَل قادَني الشَوقُ وَالهَوىإِلَيكِ وَما عَينٌ مِنَ الناسِ تَنظُرُفَقالَت وَقَد لانَت وَأَفرَخَ رَوعُهاكَلاكَ بِحِفظٍ رَبُّكَ المُتَكَبِّرُفَأَنتَ أَبا الخَطّابِ غَيرُ مُدافَعٍعَلَيَّ أَميرٌ ما مَكُثتُ مُؤَمَّرُفَبِتُّ قَريرَ العَينِ أُعطيتُ حاجَتيأُقَبِّلُ فاها في الخَلاءِ فَأُكثِرُ.قصيدة زار الخيال وصد صاحبه لابن المعتزيقولابن المعتز:زارَ الخَيالُ وَصَدَّ صاحِبُهُوَالحُبُّ لا تُقضى عَجائِبُهُيا شَرُّ قَد أَنكَرتِني فَلَكَملَيلٍ رَأَتكِ مَعي كَواكِبُهُشابَت نَواصيهِ وَعَذَّبَنيمِن طولِ أَيّامي أُراقِبُهُحَتّى إِذا الإِمساءُ أَورَدَهُحَوضَ الغُروبُ فَعَبَّ شارِبُهُهامَ الهَوى بِمُتَيَّمٍ قَلِقٍفي الصَبرِ قَد سُدَّت مَذاهِبُهُباتَت تُغَلغِلُ بَينَ ثَنيِ دُجىحَتّى أَتَتكَ بِهِ رَكائِبُهُبِأَبي حَبيبٌ كُنتُ أَعهُدُهُلي واصِلاً فَاِزوَرَّ جانِبُهُعَبِقُ الكَلامِ بِمِسكَةٍ نَفَحَتمَن فيهِ تُرضي مَن يُعاتِبُهُنَبَّهتُهُ وَالحَيُّ قَد رَقَدوامُستَبطِناً عَضباً مَضارِبُهُفَكَأَنَّني رَوَّعتُ ظَبيَ نَقاًفي عَينِهِ سِنَةٌ تُغالِبُهُ.
قصيدة غزال به فتر وفيه تأنث لأبي نواسيقول أبو نواس:غَزالٌ بِهِ فَترٌ وَفيهِ تَأَنُّثٌوَأَحسَنُ مَخلوقٍ وَأَجمَلُ مَن مَشىأَقولُ لَهُ يَوماً وَقَد شَفَّني الهَوىأَطَلتَ عَذابي فيكَ يا خَيرُ مَن نَشافَقالَ أَلَمّا يَأنِ أَن تَترُكَ الصَباوَما لَكَ يا هَذا وَما لي وَما تَشافَقُلتُ لَهُ أَقصِر عَنِ اللَومِ سَيِّديفَمَن ذا يُطيقُ الصَبرَ عَن مُشبَهِ الرَشاأَرى لَكَ وَجهاً فَتَّتَ القَلبَ حُسنُهُبِهِ يَنجَلي كَربي وَقَد يَنجَلي الغِشاأَتَقتُلُني إِن قُلتُ إِنّي أُحِبُّكُموَلا ذَنبَ لي إِن كانَ في الناسِ قَد فَشاكَتَمتُ الهَوى حَتّى أَضَرَّ بِمُهجَتيوَكانَ الهَوى طِفلاً صَغيراً فَقَد نَشافَرَقَّ لِيَ المَولى فَفُزتُ بِمَوعِدٍوَقالَ انتَظِرني قَبلَ مُقتَبَلِ العِشا.