0

مدرسة أبولو في الذاكرة الأدبية

خصائص مدرسة المهجرأحمد زكي أبو شادينشأة مدرسة أبولومدرسة أبولو هي مدرسة شعرية نشأت في الثلث الأول من القرن العشرين وتحديدًا في سبتمبر عام 1932م، فقد أعلن مؤسسهاالشاعر الدكتور أحمد زكي أبو شاديعن تأسيسها، واختار أن يكون مقرها في العاصمة المصرية القاهرة.وكانت تهدف إلى السمو والرقي بالشعر والشعراء، وجعلهم في مرتبة أدبية واجتماعية أعلى مما هم عليه، ومساندة حركات النهضة الفنية في عالم الشعر، كما أنها جاءت لتعبير عن طموحات وآراء طائفة من أعلام الأدب والشعر والنقد، ومعهم كوكبة من الشباب أمثال: أحمد محرم، وعلي محمود طه، وأحمد ضيف، وغيرهم.نشأت مدرسة أبولو في ظروف تاريخية لم تكن حركة الشعر بالمستوى المطلوب، ولعل من أهم الأسباب التي دعت إلى نشوئها ما يأتي:شهدت مصر في أثناء هذه الحقبة تأخرًا كبيرًا في حركة التعليم.

شهدت مصر أيضًا خلال هذه الفترة تأخرًا في حركة الكتابة في الصحف والمجلات عن حركة النهضة.احتدام الجدل بين التيار التقليدي للمدرسة الشعرية المتمثل في أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، والتيار المتجدد المتمثل في شعراء مدرسة الديوان للشعر.تراجع مدرسة الديوان الشعرية؛ فالكثير من شعرائها توقفوا عن نظم الشعر لأسباب متعددة.

مبادئ مدرسة أبولومن أهم المبادئ التي قامت عليها مدرسة أبولو فيالشعر الحديثما يأتي:تحرير الروحمن المبادئ المهمة التي قامت عليها مدرسة أبولو، تحرير الروح من القيود التي تحاول دون انطلاقها إلى عالم الإبداع والتميز؛ لذلك كانوا يدعون باستمرار إلى تحرير الأدب بشكل عام، والشعر بشكل خاص، من كل صيغ وقوالب المدارس التقليدية.محاربة الجمود والتقليدمن المبادئ الأساسية التي قامت عليها مدرسة أبولو، إذ كانوا يدعون إلى التجديد في قواعد نظم الشعر، ومحاربة الجمود والتقليد الأعمى.وضوح الهدفمن أهم المبادئ التي قامت عليها مدرسة أبولو، وسعت جاهدة إلى تحقيقه وصمدت من أجله أمام أعتى التيارات المناهضة، حتى تمكنت من تحقيقه والتأثير على البيئة الشعرية والتجديد فيها، سواء في مصر أو في محيطها الإقليمي.

عدم الالتزام بالمذهب الواحدهو أيضًا من المبادئ الأساسية التي أسست وفقًا له مدرسة أبولو؛ فقد شنت حربًا كبيرة على التمذهب والتحزب في الشعر، ودعت إلى التآخي والتآزر بين جميع الشعراء على اختلافهم، والسمو بالشعر وإحلاله منزلة تليق به.إيجاد رابطة تعاونيةمن المبادئ المهمة لمدرسة أبولو، فقد كان يرى مؤسسوها ضرورة وجود رابطة تعاونية، تصون كرامة الشعراء وترعى مصالحهم، دون أن تكون هذه الرابطة بمثابة المدرسة النقدية، فكان تأسيس جمعية أبولو التي ضمت في عضويتها كبار الشعراء والنقاد في ذلك الوقت.مناهضة الديكتاتورية الأدبيةمن المبادئ الأساسية لمدرسة أبولو؛ إذ رأى مؤسسوها أن الديكتاتورية الأدبية ما هي إلا سم قاتل للأدب والفن بشكل عام، وللشعر بشكل خاص؛ لذلك تراهم يؤكدون مرارًا على مبدأ حرية الشعر المطلقة.

محاربة الانتهازيةمبدأ أساسي قامت عليه مدرسة أبولو؛ إذ حاربت الانتهازية من خلال الشعر وساروا عليه ،فبات من المبادئ الثابتة والراسخة لهم.خصائص القصيدة عند مدرسة أبولوسادت خصائص مميزة للقصيدة الشعرية لدى الشعراء من مدرسة أبولو، لعل من بين هذه الخصائص ما يأتي:التجربة الشعريةلم تعد القصيدة الشعرية عند شعراء مدرسة أبولو مجرد استجابة لحالة طارئة أو تنفسية تلم بالشاعر، بل أصبحت القصيدة تنبع من أعماق نفسه حين يتعرض لأي عارض ما فيستجيب له بشكل مباشر وانفعالي، دون أن يطيل التفكير في ذلك العارض.الوحدة الفنيةهي عبارة عن اتجاه رومانسيللقصيدة الشعرية، إذ إن القصيدة في داخل أي تجربة تصبح على الهيئة التي ينبغي أن تكون عليها بسبب ما تحتويه من الصور فهذه الأخيرة تكون بمثابة العضو الحي في البيئة الفنية الخاصة بها، وهو ما يسمى بعضوية الصورة الشعرية.

التعبير بالصورةتنتقل الصورة لدى شعراء مدرسة أبولو من التعبير بالألفاظ والجمل، إلى التعبير من خلال الصور الشعرية، وهو أهم ما تطورت إليه القصيدة الجديدة؛ إذ إنهم يرون أن الشعر عبارة عن موسيقى، وخيال، وإمتاع، وصور.الطبيعة ودلالتها عند شعراء أبولويبدو أن شعراء مدرسة أبولو يتجاوزن الحدود في حبهم للطبيعة، حتى تصبح عندهم بمثابة الأم الغالية الحنون، وهي في ذات الوقت الملاذ الأمن الذي يلجؤون إليه طلبًا للسكينة والأمن بعيدًا عن زيف المدينة وصخبها، فهم يندمجون في روح الطبيعة ويعانقونها عناق الأحباب.الحب العذري والصوفيةهي نزعة مميزة لدى شعراء أبولو، فقد أصبحت بمثابة تيار عاطفي يتمثل في الفلسفة التي يعتنقونها، وهي غالبًا ما تكون مملوءة بالحب، والألم، والعذاب، والحرمان، كما أن الحب لديهم هو بمثابة المتعة للروح وليس للجسد.

نزعة الألم والحرمانأيضًا هذه النزعة سادت القصيدة لدى شعراء مدرسة أبولو، مثل: الحزن، والندم، والكآبة، والموت، والفناء، وإلى غير ذلك من ألوان التشاؤم والقلق والحيرة.موضوعات الشعر عند مدرسة أبولواهتم شعراء مدرسة أبولو بالعديد من الموضوعات الفكرية والفلسفية التي كانت محور لقصائدهم، ولعل من أبرزها ما يأتي:الحباهتم شعراء مدرسة أبولو موضوعات الحب فاتخذوها ملاذًا آمنا لهم من الشعور بالظلم الذي يمكن أن يتعرضوا له من بني البشر ومن كل تلك الأمور المحزنة والمتعبة في الحياة، إذ تمكنوا من إيجاد عالم يلجؤون إليه بعواطفهم، فيقول إبراهيم ناجي:سموت كأنني أمضيإلى رب ينادينيفلا قلبي من الأرضولا جسدي من الطينالحنين والشوقأيضًا من الموضوعات التي اهتم بها شعراء أبولو الحنين إلى الماضي والشوق إلى تلك الأيام التي مضت بلا عودة، وهو أمر يدل على رغبتهم القوية في الابتعاد عن الحاضر ومساوئه، فيقول إبراهيم ناجي:دار أحبابي وحبي لقينافي جمود مثلما تلقي الجديدأنكرتنا وهي كانت إنرأتنا يضحك النور إلينا من بعيدالشكوىأيضًا هي من الموضوعات التي اهتم بها شعراء أبولو، حتى أصبحت الشكوى تعبر عن كثير من الحزن الذي يشعرون به، وباتت لذة الألم أمرًا يستمتعون به، فراحوا يشكون لمجرد الشكوى، وهم بذلك يتشابهون مع أصحاب المدرسة الرومانسية، إذ في اعتقادهم أن الألم يطهر النفوس والحزن يسمو بالروح، فيقول الهمشري:أرى صفحة الآمال قد ضاق أفقهاولاح على إلياس البعيد مديدالقد عشت دنيا الخيال معذبافيا ليت شعر هل أموت سعيداالبؤسأيضًا من موضوعاتهم تصوير البؤس في المجتمع بصورة كبيرة وضحاياها الذين يعانون، مثل: الفلاح، والمطارد، والبغي، فيقول أحمد أبو شادي في الفلاح:هو ذلك الفلاح يا قومي الذييحيا حياة سوائم ورغائمأما جميعا مجرمون إزاءهحتى يخلص من هوى الإجرامالتأمل في الطبيعةأيضًا هو من الموضوعات التي اهتم بها شعراء أبولو، فكانوا يطيلون التأمل في خلق الكون ويفسرون حقائق الطبيعة فيقول الشاعر إبراهيم ناجي:جلست يوما حين حل المساءوقد مضى يومي بلا مؤنسأريح أقداما وهت من عياءوأرقب العالم في مجلسأعلام مدرسة أبولوعرفت مدرسة أبولو الكثير من الأعلام والرموز ممن كان لهم آراء ومواقف مختلفة عن الشعر العربي، ومن أبرز هؤلاء التالية أسماؤهم:أحمد زكي أبو شادي (1892- 1955)مكان أحد أبرز الشخصيات الأدبية التي ظهرت في عشرينيات القرن الماضي على الساحة المصرية، ويعد من رواد المدرسة التجديدية في الشعر المعاصر، كتب العديد من القصائد الشعرية والمقالات النقدية الشعرية، وتعرض لهجوم عنيف وشرس بسبب تلك القصائد التي نظمها وهو مؤسس مدرسة أبولو.أبو القاسم الشابي (1909 – 1934)مسارالشاعر أبو القاسم الشابيعلى نهج مدرسة أبولو، فذاع صيته في جميع أرجاء الوطن العربي وخاصة في بلاد المغرب العربي، كان من الشعراء الذين يدعون إلى تحرير العقل البشري من ظلام الجهل والتخلف وهو من الشعراء الوجدانيين الذين تأثروا بالمذهب الرومانسي بشكل كبير.

إبراهيم ناجي (1898- 1953)ميعد الشاعر إبراهيم ناجي من أبرز رواد مدرسة أبولو، كرس حياته لخدمة الأدب العربي وهو يعد من الشعراء المجددين الذين كانوا يرون أن الشعر ينبغي أن يساير جميع التطورات، التي تشدها الحياة ومن الداعين إلى التجديد في القصيدة العربية.مدرسة أبولو في ميزان النقدوجهت لمدرسة أبولو ولشعرائها الكثير من سهام النقد، ولعل من أبرز تلك الانتقادات ما يأتي:عباس محمود العقادكان من أشد الأدباء انتقادًا لمدرسة أبولو، حتى أنه أستنكر عليهم التسمية التي اختاروها لمدرستهم، واعترض عليها كما واقترح عليهم استبدالها بـ(عكاظ) سوق الشعر في العصر الجاهلي، أو (عطارد)؛ لتكون أقرب إلى العربية من أبولو، ولكنهم لم يوافقوا على هذا الأمر، وظلت التسمية التي اختاروها قائمة ولم تتغير.حسين الحطيمانتقد أسلوب الشاعر أحمد زكي أبو شادي، مؤسس مدرسة أبولو الشعرية كما انتقد المدرسة ذاتها واصف إياها بالتيارات العنيفة التي تحاول مواجهة وتحطيم الشعر العربي، وعاب عليهم أسلوبهم في نظم الشعر والقصائد، التي تبدأ بقافية وتنتصف بقافية وتنتهي بقافية أخرى.

الفرق بين مدرسة أبولو والديوانإنمدرسة أبولوما هي إلا مدرسة تجديدية في الشعر العربي، دعت إلى التحرر والتجديد في بناء القصيدة الفني، فأعلنوا عن فكرة جديدة في الشعر هي الشعر الحر واحتفظوا بالشعر المرسل ونوعوا في الأوزان وجددوا فيها، كما نادوا بتحرير القصيدة من شكلها ومضمونها وفكرتها وصورتها الموسيقية.وكانوا يرون أن مذهب الفن للفن ومذهب الحياة للحياة، كما أنهم يرون أن الشعر عبارة عن مجموعة من العواطف والموسيقى والخيال والصورة، كما نادوا بضرورة عدم توارثالتشبيهات في الشعر، وذهبوا إلى إضفاء الكثير من الرمزية والواقعية على أشعارهم.أمامدرسة الديوان، فالديوان هو مصطلح فني أطلق على اتجاه أدبي التزم به الكثير من الأدباء والشعراء الكبار منهم:عباس محمود العقاد، وعبد القادر المازني، وعبد الرحمن شكر، وهذه التسمية نسبة أيضًا إلى كتاب الديوان الذي أصدره العقاد والمازني عام 1921م.

وهي مدرسة تجمع بين التراث الأصيل المتميز بصفاته وصدقه، من خلال الاتصال بنماذج مميزة قراءة ودراسة، لم يكونوا مسرفين في استعمال الصور الفنية والمحسنات اللفظية الغريبة عن واقع المجتمع، بل هم كانوا يستخدمون الألفاظ المستمدة من البيئة التي يعيشون فيها.قصائد من مدرسة أبولوهناك العديد من القصائد الجميلة التي نظمها شعراء مدرسة أبولو للشعر، ولعل من بينها ما يأتي:من قصيدة (من دمعة الشعب ومن كده) للشاعر أحمد زكي أبو شادي فيقول:من دمعة الشعب ومن كدّهومن دم الأمة في نَردِهِمُملَّك الحدِّ على صفوَهايا ليتها تملك من حدةكم يجعل الدينَ حبالاتهليخنقَ المصلح في مهدهقد عضَّها النحسُ وما عضَّهإلا فَمٌ يرشف في وَجدهِمن قصيدة (هكذا هكذا نبوغ الرجال) للشاعر خليل مطران فيقول:هَكَذَا هَكَذَا نُبُوغ الرِّجَالِفِي تَوَلِّي جَلاَئِلِ الأعْمَالِحَسَبٌ طَارِفُ أَعَانَ عَلَيْهِتَالِدٌ مِنْ نُبْلٍ وَحُسْن خِلاَلِحَيِّ سَمْعَانَ فَهْوَ أَوَّلُ مَنْ يُذْكَرُبِالخَيْرِ فِي بَنَاةِ المَعَالِيوَاسْمُ سَمْعانَ مَالِئ السَّمْعِفِي كُلِّ مَكَان بِطَيِّبَاتِ الفِعَالِمن قصيدة (طابت بك الأيام وافرحتاه) للشاعر إبراهيم ناجي فيقول:طابت بكِ الأيام وافرحتاهأنتِ الأماني والغنى والحياةفليذهب الليل غفرنا لهما دام هذا الصبح عقبى دجاهيا من غَفَت والفجر من دارهاشعشع في الآفاق أبهى سناهقد طرق الباب فتى متعبطال به السير وكلَّت خطاهكتب عن مدرسة أبولوكانت هناك الكثير من الكتب والمؤلفات التي تناولت بالشرح والإيضاح مدرسة أبولو للشعر، ومن هذه الكتب ما يأتي:كتاب حركات التجديد في الشعر الحديث للمؤلف محمد عبد المنعم خفاجيوفيه تناول المؤلف تأسيس مدرسة أبولو، ومن الذي كان وراء إنشائها والظروف التاريخية التي أحاطت بإنشائها كما وبين الأهداف التي كانت تسعى إلى تحقيقها.كتاب تجليات الطبيعة عند شعراء مدرسة أبولو للكاتب زيد شاكر وعياد حمزةوفيه تناول المؤلفان تجليات الطبيعة عند شعراء مدرسة أبولو الشعرية من خلال التعرض لمجموعة من القصائد الشعرية المختارة، وإيراد ما جاء فيها من أوصاف شعرية وصور فنية.

كتاب مظاهر التجديد في الشعر الحديث للمؤلف حسن علي حسن سليمانوفيه تناول المؤلف ظروف تكوين مدرسة أبولو، وأهم أعلامها، ومحاولاتهم الحثيثة في التجديد في مضمون القصيدة الشعريّة وشكلها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *