شرح قصيدة أبو ذؤيب الهذلي أمن المنون وَريـبِها تتوجع
اقرأ أيضاًخصائص الخطابة: فن الخطابة والإلقاءالخطابة في العصر الجاهليشرح أبيات قصيدة أبو ذؤيب الهذلي أمن المنونقال الشاعرأبو ذؤيب الهذلي:أَمِنَ المَنونِ وَريبِها تَتَوَجَّعُوَالدَهرُ لَيسَ بِمُعتِبٍ مِن يَجزَعُقالَت أُمَيمَةُ ما لِجِسمِكَ شاحِباًمُنذُ اِبتَذَلتَ وَمِثلُ مالِكَ يَنفَعُأَم ما لِجَنبِكَ لا يُلائِمُ مَضجَعاًإِلّا أَقَضَّ عَلَيكَ ذاكَ المَضجَعُقصيدة قالها أبو ذؤيب الهذلي في رثاء أبنائه إثر موته واستهلها بنوع من العتاب أن هل تتوجع من الموت وقضاء الله فيه، ثم تجري محادثة بينه وبين أميمة تلك المرأة التي تسأل سؤال التعجب عن سبب وصوله إلى تلك الحال من قلة النوح وقلة الراحة.فَأَجَبتُها أَن ما لِجِسمِيَ أَنَّهُأَودى بَنِيَّ مِنَ البِلادِ فَوَدَّعواأَودى بَنِيَّ وَأَعقَبوني غُصَّةًبَعدَ الرُقادِ وَعَبرَةً لا تُقلِعُسَبَقوا هَوَىَّ وَأَعنَقوا لِهَواهُمُفَتُخُرِّموا وَلِكُلِّ جَنبٍ مَصرَعُيجيب الشاعر زوجته أميمة أنّ سبب وصوله إلى تلك الحالة هو موت أبنائه، وقد تركوه من ورائهم ذرف الدموع وفي نفسه غصة لا تنتهي، وقد سبق الموت أمنيته بأن يراهم أبطالًا صناديد يرفعون رأسه بين أهله وقبيلته.فَغَبَرتُ بَعدَهُمُ بِعَيشٍ ناصِبٍوَإَخالُ أَنّي لاحِقٌ مُستَتبَعُوَلَقَد حَرِصتُ بِأَن أُدافِعَ عَنهُمُفَإِذا المَنِيِّةُ أَقبَلَت لا تُدفَعُوَإِذا المَنِيَّةُ أَنشَبَت أَظفارَهاأَلفَيتَ كُلَّ تَميمَةٍ لا تَنفَعُفالآن هو من بعدهم يعيش عيشة كلها عناء وألم، فالدموع لا تفارقه مع أنّه كان حريصًا عليهم، لكنّ الموت لما يُقضى على أحد من النّاس، فإنّ التمائم والتعويذات لا ترده.
فَالعَينُ بَعدَهُمُ كَأَنَّ حِداقَهاسُمِلَت بشَوكٍ فَهِيَ عورٌ تَدمَعُحَتّى كَأَنّي لِلحَوادِثِ مَروَةٌبِصَفا المُشَرَّقِ كُلَّ يَومٍ تُقرَعُلا بُدَّ مِن تَلَفٍ مُقيمٍ فَاِنتَظِرأَبِأَرضِ قَومِكَ أَم بِأُخرى المَصرَعُكأنّ في عينه الشوك الذي يذرف الدموع دونًا عن إرادته، وكأنّ المصائب صارت لا تكف عنه، ولا تعرج إلا عليه، ولكن حكمة هذه الحياة أن لا لكل حي من الموت شاء ذلك النّاس أم أبوه.وَلَقَد أَرى أَنَّ البُكاءَ سَفاهَةٌوَلَسَوفَ يولَعُ بِالبُكا مِن يَفجَعُوَليَأتِيَنَّ عَلَيكَ يَومٌ مَرَّةًيُبكى عَلَيكَ مُقَنَّعاً لا تَسمَعُوَتَجَلُّدي لِلشامِتينَ أُريهِمُأَنّي لَرَيبِ الدَهرِ لا أَتَضَعضَعُمع أنّ الشاعر يُدرك أن البكاء الطويل هو نوع من أنواع السفاهة، وهو يلوم نفسه على ذلك، ولا بدّ لنفسه أيضًا من أن تموت وتلحق بأبنائه وبعدها سوف يبكي النّاس عليه، ولكن تجلدي يا أيتها النفس ولا تكثري الشامتين من حولك.وَالنَفسُ راغِبِةٌ إِذا رَغَّبتَهافَإِذا تُرَدُّ إِلى قَليلٍ تَقنَعُكَم مِن جَميعِ الشَملِ مُلتَئِمُ الهَوىباتوا بِعَيشٍ ناعِمٍ فَتَصَدَّعوافَلَئِن بِهِم فَجَعَ الزَمانُ وَرَيبُهُإِنّي بِأَهلِ مَوَدَّتي لَمُفَجَّعُوالنفس دائمًا ترغب في المزيد ولكن إذا حاولت أن تروضها على القناعة لفعلت، وكم هم كُثُر الناس الذين كانوا ينعمون بالتئام الشمل واجتماع العائلة ولكنّ الزمان شاء لهم أن يتفرقوا.
معاني المفردات في قصيدة أمن المنون وريبها تتفجعإنّ اختلاف العصر يؤدي إلى إهمال بعض الكلمات واستعمال بديلها، وقد استعمل أبو ذؤيب في قصيدته مجموعة من المفردات الغريبة التي لا بدّ من الوقوف معها وشرحها وبيانها حسب معجم المعاني وهي كالآتي:المفردةالمعنىتُخُرِّمواأي استأصلوا من هذه الدنيا وماتوا وفارقوها.سُمِلَتأي بليت وصارت مثل الثوب الخَلِق.تَميمَةٍهي الخرزة التي علقها بعض الناس في الرقبة أو نحو ذلك بغية دفع الأذى والأرواح الشريرة.
ناصِبٍأي متعب وفيه الكثير من الكدّ والجهد.ابتذلتأي حطّت من شأنك وبالغت في الزهد شخصك، وفقدت قيمتك التي يعرفها الناس عنك.الصور الفنية في قصيدة أمن المنون وريبها تتفجعوردت في القصيدة مجموعة من الصور الفنية التي ساهمت في تقريب المعاني وتوضيحها بالنسبة للقارئ وإيصال المشاعر التي راودت الشاعر في أثناء كتابة قصيدته، ومن أجمل ما ورد من صور فنية في القصيدة ما يأتي:الدَهرُ لَيسَ بِمُعتِبٍ مِن يَجزَعُجعل الدهر مثل الإنسان الذي يعتب على شيء،استعارة مكنيةحذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
فَإِذا المَنِيِّةُ أَقبَلَت لا تُدفَعُجعل المنية مثل الإنسان الذي يُقبل على شيء أو ينتهي عنه، استعارة مكنية حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.