العفة في الغزل العذري: حقيقة أم ضرورة شعرية؟
تعريف النثرتعريف الحكايةالعفة في الغزل العذري: حقيقة أم ضرورة شعرية؟إنّ الباحث فيالغزل العذرييجد أنّ جذوره تعود إلى نهايات عصر صدر الإسلام، فهناك نشأ جيلٌ تربّى على القيم الإسلاميّة الأصيلة وهم في بُعدٍ عن تيّارات الحضارة التي صارت تتلاقى بعد الفتوحات، وبعيدة كذلك حياة اللهو والترف التي كان عليها المجتمع في نهايات عهد الخلافة الراشدة وبدايات العصر الأموي، فهو جيل لم تُفسِده الحياة.إنّما نشأ هذا الجيل مسلمًا في كلّ شيء؛ في الأخلاق والعادات والتزام العفّة في الشعر وفي الأدب، هناك في الحجاز في قبيلة عُذرة العربيّة نشأت ظاهرة شعريّة تُعرَف باسم الغزل العذري؛ نسبة لقبيلة عُذرة، ويُسمّى كذلك الغزل البدوي نسبة لحياة البداوة التي كان يعيشها العذريّون الأوائل، وكذلك يُسمّى بالغزل العفيف نسبة للعفّة التي كانت سمة ظاهرة على هذا الشعر مقابلالغزل الصريحالذي كان طاغيًا آنذاك.
كان هذا الغزل يتّسم بالعفّة لأنّ الذين بدؤوا بقوله كانت تُلزِمُهُم تعاليم الإسلام بعدم التعريض بالفتاة أو وصف مفاتنها على نحو يهيّج المشاعر أو يضرِمُ فيها نارًا غير مرغوبة عند المجتمع المسلم الذي لا يقبل بوصال المحبوبة سوى تحت غطاء شرعي هو الزواج بها، فلم يستطع الشاعر العُذري -لمروءته- أن يصف مفاتن الفتاة التي يحبّها ويجعل الناس يتغنّون بشِعره فيها.من ذلك يتبيّن أنّ العفّة في الشِّعر العذريّ نابعة من شخصيّة الشاعر الذي عاصر الصحابة -رضي الله عنهم- وعاش في أكنافهم، وكان المجتمع الذي يعيش فيه مُنغَلِقٌ على نفسه فلم تَفسد أخلاقهم وحافظوا على الأخلاق العربية الممزوجة بتعاليم الإسلام، فكانت حقيقة واضحة وليست مجرّد نمط شعري فيه ردّ على الغزل الصريح أو الماجن.أشهر شعراء الغزل العذريمن أشهر الشعراء الذين حملوا لواء الغزل العذري في الشعر العربي ما يأتي:مجنون ليلىهوقيس بن الملوَّحبن مزاحم العامري، لقِّبَ بمجنون ليلى لهيامه بها وليس لجنون أصابه، نشأ مع ابنة عمه ليلى بنت سعد، وعندما شبَّبَ بها حجبها أبوها عنه، فهامَ على وجهه ينشد الأشعار ويسكن البوادي، فحينًا كانوا يرونه في الشام وحينًا في الحجاز، ووجِدَ ميتًا في إحدى البوادي مُلقًى فوق أحجار نحو عام 68هـ وحُمِلَ إلى أهله.
كُثَيِّر عَزَّةهوكثير بن عبد الرحمن بن الأسودبن عامر الخزاعي، شاعر من المتيَّمين، اشتُهِرَ بحبّه لعزّة بنت جميل الضمريّة، أكثر إقامته كانت في مصر وكان كثير الوفود على عبد الملك بن مروان، توفي نحو سنة 105هـ.جميل بُثينةهوجميل بن عبد الله بن معمرالعذري القضاعي، كان من الشعراء العشّاق وارتبط اسمه باسم بثينة وهي إحدى فتيات قومه التي أحبّها وهامَ بها، أقام أواخر حياته في مصر وكان يفد على عبد العزيز بن مروان، ومات هنالك نحو سنة 82هـ.نماذج من الغزل العذريمن أبرز نماذج الغزل العذري ما يأتي:قصيدة قالوا لو تشاء لقيس بن الملوحيقول مجنون ليلى:وَقالوا لَو تَشاءُ سَلَوتَ عَنهافَقُلتَ لَهُم فَإِنّي لا أَشاءُوَكَيفَ وَحُبُّها عَلِقٌ بِقَلبيكَما عَلِقَت بِأَرشِيَةٍ دِلاءُلَها حُبٌّ تَنَشَّأَ في فُؤاديفَلَيسَ لَهُ وَإِن زُجِرَ اِنتِهاءُوَعاذِلَةٍ تُقَطِّعُني مَلاماًوَفي زَجرِ العَواذِلِ لي بَلاءُقصيدة بثينة قالت لجميل بثينةيقول جميل بن معمر:بُثَينَةُ قالَت يا جَميلُ أَرَبتَنيفَقُلتُ كِلانا يا بُثَينَ مُريبُوَأَريَبُنا مَن لا يُؤَدّي أَمانَةًوَلا يَحفَظُ الأَسرارَ حينَ يَغيبُبَعيدٌ عَلى مَن لَيسَ يَطلُبُ حاجَةًوَأَمّا عَلى ذي حاجَةٍ فَقَريبُقصيدة ألا تلك عزة قد أصبحت لكُثيِّر عزَّةيقول كثيّر:أَلا تِلكَ عَزَّةُ قَد أَصبَحَتتُقَلِّبُ لِلهَجرِ طَرفاً غَضيضاتَقولُ مَرِضنا فَما عُدتَنافَقُلتُ لَها لا أُطيقُ النُهوضاكِلانا مَريضانِ في بَلدَةٍوَكَيفَ يَعودُ مَريضٌ مَريضا