0

اشعار نزار قباني

اجمل قصائد نزار قبانيأفضل قصائد نزار قبانينزار قبّانيالشاعر الدمشقي العريق، حلّقت أشعاره في بلاد الدنيا، كنسمةٍ خفيفة، تؤنس قلوباً رهيفة، فقال أشعاره على مدى خمسين سنة وأكثر، حتّى صنع مملكة شعريّة خاصة به، ولغة يُعرف بها، حتّى قيل عنها (اللّغة النزاريّة).ولد نزار قبّاني في دمشق في 12 مارس للعام 1923، درس الحقوق وانخرط في السّلك الدبلوماسي وتنقّل بين بلدان كثيرة، ممّا أسهم في زيادة مخزونه المعرفيّ والمكانيّ، ثم نشر أول دواوينه عام 1944 بعنوان (قالت لي السّمراء). أُثير الكثير من الجدل حول أشعار نزار قبّاني من النّقاد لأنّه تناول المرأة بكافة تفاصيلها فلقبوه بـ (شاعر المرأة)، كما قالوا: إنّه مدرسة شعريّة، وحالة اجتماعيّة ثقافيّة فريدة من نوعها.وقرّب نزار الشّعر من عامة النّاس، فما ترك مجالاً إلّا وقال فيه حتّى غدا يتحدّث بالشّعر كالحديث اليوميّ، وله دورٌ بارزٌ في تحديث الشّعر العربي، وكان قد بدأ مشواره الشّعري بالقصيدة العموديّة، ثم سار على نهج قصيدة التّفعيلة الواحدة وأبدع فيها.

أشعار نزار قبّانيمن جميل قصائد نزار قبّاني، نذكر الآتي:ساعي البريدأغلى العطور، أريدهاأزهى الثّيابفإذا أطلّ بريدهابعد اغترابوطويت في صدري الخطابعمرت في ظنّي القبابوأمرت أن يسقى المساءمعي الشّرابووهبت لللّيل النّجومبلا حساب، بلا حسابأنا عند شبّاكي الذييمتصّ أوردة الغيابوشجيرة النّارنجيابسةٌمُضيّعة الشّبابوموزّع الأشواقيترك فرحةً في كل بابخطواتهفي أرض شارعناحديثٌ مستطابوحقيبة الآمالتعبق بالتّحارير الرّطابهذا غلافي القرمزييكاد يلتهب التهابوأكاد ألتهم النّقاب الفستقيولا نقابأنا قبل أن كان الجوابطيّبان لي، طيب الحروفوطيب كاتبة الكتابأطفو على الحرف الذي صلّى على يدها وتابخطٌمن الضّوء النّحيتفكل فاصلةٍ شهابهذا غلافي – لا أشكّ-يرفّ مجروح العتابعنوان منزلنا المغمّس بالسّحابعنوانناعند النّجوم الحافياتعلى الهضابيا أنتيا ساعي البريدببابنا، هل من خطاب؟ويقهقه الرّجل العجوزويختفي بين الشّعابماذا يقول؟ يقول:ليس لسيدي إلا التّرابإلا حروفٌ من ضبابأين الحقيبة؟أين عنواني؟

سرابٌ، في سرابسبتمبرالشّعر يأتي دائمامع المطر.ووجهك الجميل يأتي دائماًمع المطر.والحبّ لا يبدأ إلا عندماتبدأ موسيقا المطر.

إذا أتى أيلول يا حبيبتيأسأل عن عينيك كل غيمةكأنّ حبّي لكمربوط بتوقيت المطر.مشاهد الخريف تستفزّني.شحوبك الجميل يستفزّني.

والشّفة المشقوقة الزّرقاء.. تستفزني.والحلق الفضّي في الأذنين .

.يستفزني.وكنزة الكشمير.

.والمظلّة الصّفراء والخضراء..

تستفزني.جريدة الصّباح..

مثل امرأة كثيرة الكلام تستفزّني.رائحة القهوة فوق الورق اليابس..

تستفزّني..فما الذي أفعله ؟

بين اشتعال البرق في أصابعي..وبين أقوال المسيح المنتظر؟

ينتابني في أول الخريفإحساس غريب بالأمان والخطر..أخاف أن تقتربي.

.أخاف أن تبتعدي..

أخشى على حضارة الرّخام من أظافري..أخشى على منمنمات الصّدف الشّامي من مشاعري.

.أخاف أن يجرفني موج القضاء والقدر..

هل شهر أيلول الذي يكتبني؟أم أنّ من يكتبني هو المطر؟أنت جنون شتويّ نادر.

.يا ليتني أعرف يا سيدتيعلاقة الجنون بالمطر!!

سيدتيالتي تمرّ كالدّهشة في أرض البشر..حاملة في يدها قصيدة.

.وفي اليد الأخرى قمر..

يا امرأة أحبّها..تفجر الشّعر إذا داست على أيّ حجر.

.يا امرأة تحمل في شحوبهاجميع أحزان الشّجر..

ما أجمل المنفى إذا كنا معاً..يا امرأة توجز تاريخي.

.وتاريخ المطر.اغضباغضبْ كما تشاءُ.

.واجرحْ أحاسيسي كما تشاءُحطّم أواني الزّهرِ والمراياهدّدْ بحبِّ امرأةٍ سوايا..

فكلُّ ما تفعلهُ سواءُ..كلُّ ما تقولهُ سواءُ.

.فأنتَ كالأطفالِ يا حبيبينحبّهمْ.. مهما لنا أساؤوا.

.اغضبْ!فأنتَ رائعٌ حقّاً متى تثورُإغضب!

فلولا الموجُ ما تكوَّنت بحورُ..كنْ عاصفاً.

. كُنْ مُمطراً..فإنَّ قلبي دائماً غفورُاغضب!

فلنْ أجيبَ بالتحدّيفأنتَ طفلٌ عابثٌ..يملؤهُ الغرورُ.

.وكيفَ من صغارها..

تنتقمُ الطّيورُ؟اذهبْ..

إذا يوماً مللتَ منّي..واتهمِ الأقدارَ واتّهمني.

.أمّا أنا فإنّي..

سأكتفي بدمعي وحزني..فالصّمتُ كبرياءُوالحزنُ كبرياءُاذهبْ.

.إذا أتعبكَ البقاءُ..

فالأرضُ فيها العطرُ والنّساءُ..والأعين الخضراء والسّوداءوعندما تريد أن ترانيوعندما تحتاجُ كالطّفلِ إلى حناني.

.فعُدْ إلى قلبي متى تشاءُ..

فأنتَ في حياتيَ الهواءُ..وأنتَ.

. عندي الأرضُ والسّماءُ..اغضبْ كما تشاءُواذهبْ كما تشاءُواذهبْ.

. متى تشاءُلا بدَّ أن تعودَ ذاتَ يومٍوقد عرفتَ ما هوَ الوفاءُ.أحزان في الأندلسكتبتِ لي يا غاليه..

كتبتِ تسألينَ عن إسبانياعن طارقٍ، يفتحُ باسم الله دنيا ثانية..عن عقبة بن نافعٍيزرع شتلَ نخلةٍ.

.في قلبِ كلِّ رابية..

سألتِ عن أميةٍ..سألتِ عن أميرها معاوية.

.عن السّرايا الزّاهيةتحملُ من دمشقَ.. في ركابِهاحضارةً وعافية.

.لم يبقَ في إسبانيامنّا، ومن عصورنا الثّمانيةغيرُ الذي يبقى من الخمرِ،بجوف الآنية..

وأعينٍ كبيرةٍ.. كبيرةٍما زال في سوادها ينامُ ليلُ البادية..

لم يبقَ من قرطبةٍسوى دموعُ المئذناتِ الباكيةسوى عبيرِ الورود، والنّارنج والأضاليا..لم يبق من ولاّدةٍ ومن حكايا حُبّها.

.قافيةٌ ولا بقايا قافية..

لم يبقَ من غرناطةٍومن بني الأحمر.. إلّا ما يقول الرّاويةوغيرُ (لا غالبَ إلا الله)تلقاك في كلِّ زاويه..

لم يبقَ إلا قصرُهمكامرأةٍ من الرّخام عارية..تعيشُ –لا زالت- علىقصَّةِ حُبٍّ ماضية.

.مضت قرونٌ خمسةٌمذ رحلَ (الخليفةُ الصغيرُ) عن إسبانياولم تزل أحقادنا الصّغيرةكما هي..

ولم تزل عقليةُ العشيرةفي دمنا كما هيحوارُنا اليوميُّ بالخناجرِ..أفكارُنا أشبهُ بالأظافرِمَضت قرونٌ خمسةٌولا تزال لفظةُ العروبة.

.كزهرةٍ حزينةٍ في آنيةكطفلةٍ جائعةٍ وعاريةنصلبُها على جدارِ الحقدِ والكراهية..

مَضت قرونٌ خمسةُ.. يا غاليةكأنّنا.. نخرجُ هذا اليومَ من إسبانيا.

تلومنيتلومني الدّنيا إذا أحببتهُكأنّني.. أنا خلقتُ الحبَّ واخترعتُهُكأنّني أنا على خدودِ الوردِ قد رسمتهُكأنّني أنا التي..

للطيرِ في السّماءِ قد علّمتهُوفي حقولِ القمحِ قد زرعتهُوفي مياهِ البحرِ قد ذوّبتهُ..كأنّني.

. أنا التيكالقمرِ الجميلِ في السّماءِ..قد علّقتُه.

.تلومُني الدّنيا إذا..

سمّيتُ منْ أحبُّ.. أو ذكرتُهُ..

كأنّني أنا الهوى..وأمُّهُ.

. وأختُهُ..هذا الهوى الذي أتى.

.من حيثُ ما انتظرتهُمختلفٌ عن كلِّ ما عرفتهُمختلفٌ عن كلِّ ما قرأتهُوكلِّ ما سمعتهُلو كنتُ أدري أنّهُ..

نوعٌ منَ الإدمانِ.. ما أدمنتهُلو كنتُ أدري أنّهُ..

بابٌ كثيرُ الرّيحِ.. ما فتحتهُلو كنتُ أدري أنهُ..

عودٌ من الكبريتِ.. ما أشعلتهُهذا الهوى.. أعنفُ حبٍّ عشتهُفليتني حينَ أتاني فاتحاًيديهِ لي.

. رددْتُهُوليتني من قبلِ أن يقتلَني.. قتلتُهُ..

هذا الهوى الذي أراهُ في اللّيلِ..على ستائري.

.أراهُ.. في ثوبي.

.وفي عطري.. وفي أساوريأراهُ.

. مرسوماً على وجهِ يدي..أراهُ منقوشاً على مشاعريلو أخبروني أنّهُطفلٌ كثيرُ اللّهوِ والضّوضاءِ ما أدخلتهُوأنّهُ سيكسرُ الزّجاجَ في قلبي لما تركتهُلو أخبروني أنّهُ.

.سيضرمُ النّيرانَ في دقائقٍويقلبُ الأشياءَ في دقائقٍويصبغُ الجدرانَ بالأحمرِ والأزرقِ في دقائقٍلكنتُ قد طردتهُ..

يا أيّها الغالي الذي..أرضيتُ عنّي الله.

. إذْ أحببتهُهذا الهوى أجملُ حبٍّ عشتُهُأروعُ حبٍّ عشتهُفليتني حينَ أتاني زائراًبالوردِ قد طوّقتهُ..وليتني حينَ أتاني باكياًفتحتُ أبوابي لهُ.

. وبستهُ.التّناقضاتالتّناقضاتفشلت جميع محاولاتيفي أن أفسّر موقفيفشلت جميع محاولاتيمازلت تتّهميننيكأنّي هوائيّ المزاج، ونرجسيّفي جميع تصرفاتيمازلت تعتبريننيكقطار نصف اللّيل .. أنسى دائماًأسماء ركّابي، ووجه زائراتيفهواي غيبوالنّساء لديّ محض مصادفاتمازلت تعتقدين .

. أنّ رسائليعمل روائيّ .. وأشعاريشريط مغامراتوبأنّني أستعمل أجمل صاحباتيجسراً إلى مجدي .. ومجد مؤلّفاتيمازلتي تحتجّين أنّي لا أحبّككالنّساء الأخرياتوعلى سرير العشق لم أسعدك مثل الأخرياتآه من طمع النّساءوكيدهنّومن عتاب معاتباتيكم أنتِ رومانسية التّفكير، ساذجةالتّجاربتتصوّرين الحب صندوقاً مليئاًبالعجائبوحقول جاردينياوليلاً لازورديّ الكواكبمازلت تشترطينأن نبقى إلى يوم القيامة عاشقينوتطالبين بأنّ نظل على الفراش ممدَّدَيننرمي سجائرنا ونشعلهاوننقر بعضنا كحمامتينونظل أياماً .

. وأياماً ..نحاور بعضنا بالرّكبتينهذا كلام مضحكأنا لست أضمن طقسي النّفسي بعد دقيقتينولربّما يتغيّر التّاريخ بعد دقيقتين ونعودفي خفّي حنينمن عالم الجنس المثيرنعود في خفّي حنين.

..فشلت جميع محاولاتيفي أن أفسّر موقفيفشلت جميع محاولاتيفتقبّلي عشقي على علّاتهوتقبّلي مَللي .

. وذبذبتي .. وسوء تصرّفاتيفأنا كماء البحر في مدّي وفي جزري وعمق تحوّلاتيإنّ التّناقض في دمي وأنا أحبّتناقضاتيماذا سأفعل يا صديقة؟هكذا رُسمت حياتيمنذ الخليقة .

. هكذا رُسمت حياتي.غرناطةفي مدخل الحمراء كان لقاؤناما أطـيب اللُّقـيا بلا ميعادعينان سوداوان في حجريهماتتوالـد الأبعاد مـن أبعـادهل أنت إسبانية؟ ساءلـتهاقالت: وفي غـرناطة ميلاديغرناطة؟ وصحت قرون سبعةفي تينـك العينين.. بعد رقادوأمـيّة راياتـها مرفوعـةوجيـادها موصـولة بجيـادما أغرب التّاريخ كيف أعادنيلحفيـدة سـمراء من أحفاديوجهٌ دمشـقيٌّ رأيت خـلالهأجفان بلقيس وجيـد سعـادورأيت منـزلنا القديم وحجرةكانـت بها أمّي تمّد وسـاديواليـاسمينة رصعـت بنجومهاوالبركـة الذّهبيـة الإنشـادودمشق، أين تكون؟ قلت ترينهافي شعـرك المنساب .

.نهر سوادفي وجهك العربيّ، في الثّغر الذيما زال مختـزناً شمـوس بلاديفي طيب (جنات العريف) ومائهافي الفلّ، في الرّيحـان، في الكبادسارت معي.. والشّعر يلهث خلفهاكسنابـل تركـت بغيـر حصاديتألّـق القـرط الطـويل بجيدهامثـل الشّموع بليلـة الميـلاد.

.ومـشيت مثل الطّفل خلف دليلتيوورائي التّاريـخ كـوم رمـادالزّخـرفات.. أكاد أسمع نبـضهاوالزّركشات على السّقوف تناديقالت: هنا (الحمراء) زهو جدودنافاقـرأ على جـدرانها أمجـاديأمجادها؟ ومسحت جرحاً نـازفاًومسحت جرحاً ثانيـاً بفـؤادييا ليت وارثتي الجمـيلة أدركـتأنّ الـذين عـنتـهم أجـداديعانـقت فيهـا عنـدما ودعتهارجلاً يُسمّـى (طـارق بن زياد)الحاكم والعصفورأتجوَّلُ في الوطنِ العربيِّلأقرأَ شعري للجمهورْفأنا مقتنعٌأنَّ الشعرَ رغيفٌ يُخبزُ للجمهورْوأنا مقتنعٌ – منذُ بدأتُ –بأنَّ الأحرفَ أسماكٌوبأنَّ الماءَ هوَ الجمهورْأتجوَّلُ في الوطنِ العربيِّوليسَ معي إلا دفترْيُرسلني المخفرُ للمخفرْيرميني العسكرُ للعسكرْوأنا لا أحملُ في جيبي إلا عصفورْلكنَّ الضّابطَ يوقفنيويريدُ جوازاً للعصفورْتحتاجُ الكلمةُ في وطنيلجوازِ مرورْأبقى ملحوشاً ساعاتٍمنتظراً فرمانَ المأمورْأتأمّلُ في أكياسِ الرّملِودمعي في عينيَّ بحورْوأمامي كانتْ لافتةٌتتحدّثُ عن (وطنٍ واحدْ)تتحدّثُ عن (شعبٍ واحدْ)وأنا كالجُرذِ هنا قاعدْأتقيأُ أحزاني.

.وأدوسُ جميعَ شعاراتِ الطّبشورْوأظلُّ على بابِ بلاديمرميّاً..

كالقدحِ المكسورْطريق واحدأريدُ بندقيّة..خاتمُ أمّي بعتهُمن أجلِ بندقيّةمحفظتي رهنتُهامن أجلِ بندقيّة.

.اللغةُ التي بها درسناالكتبُ التي بها قرأنا..

قصائدُ الشّعرِ التي حفظناليست تساوي درهماً..أمامَ بندقيّة.

.أصبحَ عندي الآنَ بندقيّة..

إلى فلسطينَ خذوني معكمإلى رُباً حزينةٍ كوجهِ مجدليّةإلى القبابِ الخضرِ.. والحجارةِ النبيّةعشرونَ عاماً.. وأناأبحثُ عن أرضٍ وعن هويّةأبحثُ عن بيتي الذي هناكعن وطني المحاطِ بالأسلاكأبحثُ عن طفولتي.

.وعن رفاقِ حارتي..

عن كتبي.. عن صوري..

عن كلِّ ركنٍ دافئٍ.. وكلِّ مزهريّةأصبحَ عندي الآنَ بندقيّةإلى فلسطينَ خذوني معكميا أيّها الرّجال..

أريدُ أن أعيشَ أو أموتَ كالرّجالأريدُ.. أن أنبتَ في ترابهازيتونةً، أو حقلَ برتقال..

أو زهرةً شذيّةقولوا.. لمن يسألُ عن قضيّتيبارودتي.. صارت هي القضيّة.

.أصبحَ عندي الآنَ بندقيّة..

أصبحتُ في قائمةِ الثوّارأفترشُ الأشواكَ والغباروألبسُ المنيّة..مشيئةُ الأقدارِ لا تردُّنيأنا الذي أغيّرُ الأقداريا أيّها الثوار.

.في القدسِ، في الخليلِ،في بيسانَ، في الأغوار..

في بيتِ لحمٍ، حيثُ كنتم أيّها الأحرارتقدّموا..تقدّموا.

.فقصةُ السّلام مسرحيّة..

والعدلُ مسرحيّة..إلى فلسطينَ طريقٌ واحدٌيمرُّ من فوهةِ بندقيّة.

.قرص الأسبرينليسَ هذا وطني الكبيرلا..

ليسَ هذا الوطنُ المربّعُ الخاناتِ كالشّطرنجِ..والقابعُ مثلَ نملةٍ في أسفلِ الخريطة.

.هوَ الذي قالّ لنا مدرّسُ التّاريخِ في شبابنابأنّهُ موطننا الكبير.لا.

.ليسَ هذا الوطنُ المصنوعُ من عشرينَ كانتوناً..

ومن عشرينَ دكاناً..ومن عشرينَ صرّافاً.

.وحلاقاً..

وشرطيّاً..وطبّالاً.

. وراقصةً..يسمّى وطني الكبير.

.لا..

ليسَ هذا الوطنُ السّاديُّ.. والفاشيُّوالشحّاذُ.. والنفطيُّوالفنّانُ.

. والأميُّوالثوريُّ.. والرجعيُّوالصّوفيُّ.. والجنسيُّوالشّيطانُ.

. والنبيُّوالفقيهُ، والحكيمُ، والإمامهوَ الذي كانَ لنا في سالفِ الأيّامحديقةَ الأحلام..لا.

..ليسَ هذا الجسدُ المصلوبُفوقَ حائطِ الأحزانِ كالمسيحلا.

..ليسَ هذا الوطنُ الممسوخُ كالصّرصار،والضيّقُ كالضّريح.

.لا..

ليسَ هذا وطني الكبيرلا…

ليسَ هذا الأبلهُ المعاقُ.. والمرقّعُ الثّيابِ،والمجذوبُ، والمغلوبُ..

والمشغولُ في النحّوِ وفي الصّرفِ..وفي قراءةِ الفنجانِ والتّبصيرِ.

.لا..

.ليسَ هذا وطني الكبيرلا..

.ليسَ هذا الوطنُ المنكَّسُ الأعلامِ..

والغارقُ في مستنقعِ الكلامِ،والحافي على سطحٍ من الكبريتِ والقصديرلا…

ليسَ هذا الرّجلُ المنقولُ في سيّارةِ الإسعافِ،والمحفوظُ في ثلّاجةِ الأمواتِ،والمعطّلُ الإحساسِ والضّميرلا…

ليسَ هذا وطني الكبيرلا..ليسَ هذا الرّجلُ المقهورُ.

.والمكسورُ..

والمذعورُ كالفأرةِ..والباحثُ في زجاجةِ الكحولِ عن مصيرلا.

..ليسَ هذا وطني الكبير.

.يا وطني:يا أيّها الضائعُ في الزّمانِ والمكانِ،والباحثُ في منازلِ العُربان..

عن سقفٍ، وعن سريرلقد كبرنا.. واكتشفنا لعبةَ التّزويرفالوطنُ المن أجلهِ ماتَ صلاحُ الدّينيأكلهُ الجائعُ في سهولةكعلبةِ السّردين..

والوطنُ المن أجلهِ قد غنّت الخيولُ في حطّينيبلعهُ الإنسانُ في سهولةٍ..كقُرص أسبرين.

المراجع(1)بتصرّف عن مقالة الشاعر نزار قبّاني.. شاعر ظل يرسم عالمه والحياة بالكلمات، nizariat.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *